دلالات: الغير ذلك الأنا الذي ليس أنا
الإنسان كائن اجتماعي، واجتماعيته هذه تعني وتقتضي التفاعل مع الآخرين أي مع الغير. وإذا كان تفاعلي مع الأشياء وتمييز نفسي عنها لايكاد يطرح مشكلة، فالأمر خلاف ذلك فيما يخص الغير، لأنه ببساطة ذلك الشبيه المختلف : إنه شبيهي مادام يشاطرني كثيرا من الصفات العامة (الفيزيولوجية ،النفسية، السلوكية...)، لكنه لايفتأ يؤكد – ضمن هذا التشابه – اختلافه عني في مؤهلاته واختياراته ورغباته ومشاريعه ...
تقع هذه الإزدواجية في صلب أغلب الإشكالات الفلسفية للغير، فلقد عرفه سارتر: بأنه "الأخر، الأنا الذي ليس أنا " أي ذلك الوعي وتلك الذات المباينة، المنفصلة عن ذاتي ووعيي؟ كيف يمكن لذاتي أن تذرك وجود الذوات الأخرى؟ هل يمكن والحالة هذه إثبات وجود مثل هذه الذات (المفكرة حتما) بواسطة الأسلوب الديكارتي الشهير مثلا؟ ماعلاقة وجوده بوجودي؟ هل يرتبط ويتوفق وعيي بوجودي على وعيي بوجود الغير أم ينفصل ويستغني عنه؟
لنطرح قضية الغير بتجريد أقل: كيف يتبدى الغير لذاتي؟ كيف أعرف الغير؟ وهل هذه المعرفة ممكنة أصلا؟ إذا انطلقت من افتراض معرفتي لذاتي ولحالاتي النفسية الشعورية بواسطة إدراك ووعي باطني مباشر، فكيف السبيل لمعرفة الغير؟ ألا تحيله عملية المعرفة إلى موضوع وتنفيه كذات؟
ولنطرح القضية بتجريد أقل مما سبق: تتعدد وجوه الغير فهو معشوق وصديق وعدو ومنافس وغريب...معرفة ونكرة.. ولكن الثابت هو مغايرته واختلافه التي ما يفتأ يؤكدها حتى داخل علاقة صداقة حميمية أو عشق حلولي!. كيف أتعامل إذن مع غيرية الغير؟ هذه الغيرية التي تتحداني وتحيرني وخصوصا في حالات نموذجية كحالة الغريب مثلا، تحيرني بسبب أنها ليست اختلافا مطلقا مادام الآخر شبيها بي من بعض الوجوه؟ وعليه ألا يثير الغير/الغريب بسبب تماثله ومغايرته مشاعر مزدوجة ومتناقضة تتراوح بين الإحترام والإعتراف وأيضا الإقصاء والنفي؟ بين الاعتراف بإنسانيته من مبدأ وحدة الإنسانية جمعاء وبين الإنكفاء داخل خصوصيتي الذاتية أو الثقافية؟ وباختصار:كيف أتعرف على غيرية الغير وكيف اقرؤها؟ !